السودان: الإصلاح الإسلامي.. ترقيع.. انصرافية.. أم حل راديكالي-نقلاً عن القدس العربي
صفحة 1 من اصل 1
السودان: الإصلاح الإسلامي.. ترقيع.. انصرافية.. أم حل راديكالي-نقلاً عن القدس العربي
السودان: الإصلاح الإسلامي.. ترقيع.. انصرافية.. أم حل راديكالي؟ د. عبدالوهاب الأفندي 2012-04-09 |
أثارت المقترحات التي تقدمت بها شخصيات ومجموعات مصنفة إسلامياً لإصلاح الأوضاع السياسية في السودان جدلاً حاداً واعتراضات كثيرة، وحق لها. وقد رأى فيها البعض انصرافية ومحاولات يائسة لإنقاذ ما لا يمكن إنقاذه من نظام فاسد متهالك، قائلين إن الحل في التخلص من الإسلاميين ومقترحاتهم معاً، لأنهم رأس الداء وأس البلاء. فقد ارتكبت في البلاد كبائر لا تحصى باسم الإسلام وتحت عباءته، بلغت حد تمزيق البلاد وإشعال الحرب والنزاعات في كل أطرافها. وكان إنكار الإسلاميين لها خافتاً إن لم يكن معدوماً، بينما جهد البعض في أن يجد لأصحابها الأعذار. وهذا قد يشير إلى أن الخلل قد لا يكون في الإسلاميين كأشخاص، وإنما في النهج الذي يتبعونه ويسمونه إسلاماً. وعليه فإن مساعيهم لبيع النبيذ القديم في قنان جديدة (وفي ظل ما نشهده هذه الأيام فإن استخدام مثل هذه المجازات في حق الإسلاميين قد لا تكون مستهجنة كثيراً) يجب ألا تنطلي على أحد. وهناك بعض الوجاهة في مثل هذه الاعتراضات. ذلك أن الخلل الذي رافق الممارسات الإسلامية في السودان أو غيره لا يبدو خللاً عارضاً. على سبيل المثال، نجد أن الحركة الإسلامية في السودان قد انشقت إلى فصيلين متقاتلين، ولكن أياً منهما لم ينجح حتى الأن في إدانة الممارسات الخاطئة التي كانا فيها شريكين، ويتبرأ منها، ويعتذر عنها لله تعالى أولاً، ثم للشعب السوداني ثانياً، ويقترح نهجاً واضحاً للتكفير عن أخطاء الماضي، وانتهاج خط جديد يختلف جذرياً عما سبق. بل غاية ما نراه هو التلاوم وتبرئة النفس. وليست هذه المشكلة قاصرة على السودان، حيث نرى ممارسات مماثلة من حركات إسلامية أخرى، في العراق مثلاً وفي إيران وأفغانستان وغيرها، ويخشى أن تتكرر المصائب في مصر وبقية بلدان الربيع العربي. وهذا بدوره قد يطرح سؤالاً جوهرياً: إذا كان هذا ما ترونه، فلماذا ظللتم كل هذه المدة تدعون إلى الإصلاح من داخل النظرة الإسلامية؟ ألم يحن الوقت ليقال إن ما يسمى بالنهج الإسلامي هو ضلال مبين لا علاقة له بالدين، وأن يترك للناس أمر دنياهم يسوسونها بما يرونه؟ هناك بلا شك أمران مختلفان تحت النقاش هنا: الحديث عن إصلاح الفكر الإسلامي من جهة، وعن إصلاح الأوضاع السياسية في السودان من جهة أخرى. وهكذا الأمر في كل بلد. فالبلدان هي شراكة بين كل مواطنيها، ومنهم المسلمون وغيرهم، ومؤيدو الحركات الإسلامية ومعارضوها. وعليه فإن إصلاح أمور البلاد يكون بالتوافق بين أهلها والتراضي بينهم على أسس الحكم وأساليبه. وقد اصطلح الخلق في عصرنا هذا على أن الديمقراطية هي الأسلوب الأمثل لتحقيق هذه الأغراض، وعليه فإن أي حديث عن الإصلاح في السودان وغيره لا بد أن يكون عن كيفية تحقيق الديمقراطية فيه وترسيخها. السجالات في أوساط الفكر الإسلامي ظلت، بالمقابل، ومنذ انهيار مؤسسة الخلافة (التي لم تكن على كل حال سوى هيكل أجوف لا معنى له منذ قرون متطاولة) تدور حول الشكل الأمثل للحكم الإسلامي في العصر الحديث. فهناك من ينادي بإحياء الخلافة، وتسمية خليفة يدين له مسلمو العالم كافة بالولاء، حتى وإن كانت هذه خلافة إسمية شكلية. وكثير من هؤلاء يرى أن استعادة الخلافة بشكلها الذي سماه ابن خلدون ملكاً (أي حكماً فردياً استبدادياً) يفي بالغرض، بل هو غاية المنى. وهم على استعداد لـ 'مبايعة' كل من يسمي نفسه حاكماً إسلامياً، وإعلان الولاء والخضوع له في المنشط والمكره، والحق والباطل. وقد جرت على هذا المنهج جماعات مسلحة انتشرت في مناطق مثل أفغانستان وباكستان والجزائر والعراق والصومال واليمن (وأخيراً في شمال مالي)، حيث أعلن كل منها ما سماه 'إمارة إسلامية' يحكم فيها بأمره. وما يزال حزب التحرير يدعو إلى استعادة الخلافة بشكلها الأموي العباسي باعتبارها النموذج الأمثل للحكم الإسلامي. في العقود الماضية، أعاد كثير من المفكرين والسياسيين النظر في هذه الأطروحات. كانت البداية في إيران، حين أنشأت ثورة عام 1905 نظاماً برلمانياً استلهم الدستور البلجيكي، مع إنشاء لجنة برلمانية من خمسة أعضاء من علماء الدين عهد إليها بمراجعة التشريعات الصادرة عن البرلمان للتأكد من مطابقتها لأحكام الشريعة الإسلامية. وقد ألهم هذا النموذج مفكرين مثل الشيخ رشيد رضا الذي رأي فيه تطبيقاً لفكرة ما أصبح يسمى بـ'الدولة الإسلامية' التي أصبحت التعبير البديل لفكرة الخلافة. وقد تبع الشيخ حسن البنا هذا المنحى حين قال إن النظام البرلماني هو الأقرب لمفهوم الحكم الإسلامي. أما الشيخ أبو الأعلى المودودي فقد اقترح ما سماه بالديمقراطية 'الإلهية' نظاماً للحكم، وهي بحسب تعبيره ديمقراطية من حيث انتخاب الحاكم، ولكنها خاضعة للشريعة الإسلامية، وهي في الواقع دكتاتورية منتخبة، لأن الحاكم بعد انتخابه يكون هو الحكم الفصل في أمر الشريعة. وقد حول آية الله روح الله الخميني هذا النموذج إلى واقع عملي حين طبق مبدأ 'ولاية الفقيه' القائم على فكرة انتخاب شخص يكون هو الحكم الفصل في تطبيق أحكام الدين الإسلامي، لا ينازعه في ذاك منازع. وتعتبر الحالة السودانية حالة خاصة في هذا المجال، إذ كانت المفارقة في أن الحركة الإسلامية السودانية بقيادة الشيخ حسن الترابي كانت من الحركات الإسلامية القليلة (إضافة إلى الحركة التونسية) التي أعلنت أنه لا يوجد أي تناقض بين الحكم الإسلامي والديمقراطية. وكان الشيخ الترابي يرفض أن تكون للعلماء سلطة خاصة في الدولة الإسلامية، ويرى أن رأي الشعب (كما يعبر عنه في مؤسساته المنتخبة) لا يعلى عليه. ولكن الحركة خالفت هذه الرؤية حين تولت السلطة، ومارست الحكم الدكتاتوري. والأسوأ من ذلك أنها حاولت إضفاء شرعية إسلامية متوهمة على هذه الدكتاتورية، واستعانت في ذلك بجهات مثل الحركات السلفية وحركة الإخوان المسلمين المنشقة عنها، رغم أنها كانت في الماضي تخالف أطروحات هذه الجماعات. من هنا يمكن أن يقال أن هناك سببا إضافيا للفصل بين الحديث عن إصلاح الفكر الإسلامي وإصلاح أوضاع السودان، كون الممارسات لم تكن تستند حتى على فكر الحركة الإسلامية نفسها، بل كانت انحرافاً عنه. ولكن بالمقابل فإن هنا ما يدعو للربط بين الاثنين. ذلك أن هناك تيارات إسلامية عريضة ما تزال تؤيد الوضع الحالي، وهذه التيارات لها نفوذ ليس فقط على الحكومة، بل على الشارع. وإذا اقتنع الشارع برؤية هذه التيارات، فإن الإصلاح والتغيير يصبح أصعب. ولعل الأهم من ذلك هو أن التحولات الديمقراطية التي شهدها العالم العربي، والتي نتمنى ونتوقع أن يشهد السودان مثلها قريباً، قد أتت بالحركات الإسلامية إلى السلطة عن طريق صناديق الانتخاب. وقد أثبتت التجربة أن نجاح التحول الديمقراطي في تلك البلدان اعتمد على درجة نضج وتطور فكر الحركات الإسلامية. ففي البلدان التي تصالحت فيها هذه الحركات مع الديمقراطية، كما كان الحال في تونس والمغرب وليبيا، كان النجاح كبيراً، بينما تتعثر الأمور في بلدان مثل مصر والأردن والكويت والبحرين. من هذا المنطلق، يمكن أن يقال إن منهجنا الذي يربط بين إصلاح الفكر الإسلامي وتطوير مناهج الحركة الإسلامية في السودان وغيره، هو المنهج الإصلاحي الأكثر راديكالية، وليس منهجاً 'ترقيعياً' يقصد منه وضع المساحيق على شكل شائه قائم. ذلك أن إصلاح الفكر الإسلامي يحل مشكلة الديمقراطية بصورة حاسمة وشاملة، ويلغي الإشكالية القائمة حول التخوف من وصول الإسلاميين إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، وبالتالي إجهاض الديمقراطية من داخلها. فلو كان الإسلاميون بالفعل يستلهمون نماذج استبدادية، مثل نموذج 'خلافة' الملك الانقلابية (وهي نموذج مبكر لمنهج الانقلاب العسكري كان السلاجقة أول من ابتدره)، أو دكتاتورية الفقيه والأمير، فإن مشاركتهم في العملية الديمقراطية تكون مضرة بها، بينما منعهم من المشاركة يلغي الديمقراطية سلفاً. من هنا فإن الجهد الذي ظللنا وغيرنا نضطلع به لعقود ليس ترفاً فكرياً ولا انصرافية عن مواجهة الواقع، بل هو يصب في لب الموضوع، ولا يمكن أن يحدث تقدم في السودان أو غيره من البلدان الإسلامية بدون معالجة هذه القضايا وحسمها والوصول فيها إلى توافق واضح. ويكتسب هذا الأمر أهمية إضافية في السودان، وذلك بسبب استناد الوضع الحالي إلى تأييد تيارات إسلامية قوية، وتوقع أن يكون لهذه التيارات نفوذ كبير حتى بعد زوال النظام، وربما بسبب زواله. وهذا بدوره يلقي بواجبات إضافية على هذه التيارات، وعلى المفكرين الإسلاميين عموماً، لتحرك فاعل لا يفتر من أجل إنقاذ الوضع، والتصدي لما تعرضت له صورة الإسلام من تشويه يعتبر من باب الصد عن سبيل الله، وإنه لإثم لو تعلمون عظيم. ' كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن |
عبدالله يوسف صديق- عدد المساهمات : 240
تاريخ التسجيل : 14/10/2011
العمر : 55
الموقع : السعودية- جامعة الحدود الشمالية
مواضيع مماثلة
» الفشل السابق واللاحق لدولة الجنوب --- نقلاً عن القدس العربي
» بنغازي مشيخة نفطية .........زنقلاَ عن القدس العربي
» عن 'التمكين' وأساطير سودانية أخرى: من يحكم؟ نقلاً عن الدكتور/ الأفندى
» غازي صلاح الدين والطريق المسدود أمام فكرة ‘الإصلاح من الداخل’
» غازي صلاح الدين والطريق المسدود أمام فكرة ‘الإصلاح من الداخل’
» بنغازي مشيخة نفطية .........زنقلاَ عن القدس العربي
» عن 'التمكين' وأساطير سودانية أخرى: من يحكم؟ نقلاً عن الدكتور/ الأفندى
» غازي صلاح الدين والطريق المسدود أمام فكرة ‘الإصلاح من الداخل’
» غازي صلاح الدين والطريق المسدود أمام فكرة ‘الإصلاح من الداخل’
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى